إلغاء آلاف التأشيرات الدراسية يهز الجامعات الأمريكية ويطلق جدلاً حول حرية التعبير

إلغاء آلاف التأشيرات الدراسية يهز الجامعات الأمريكية ويطلق جدلاً حول حرية التعبير
إلغاء التأشيرات الطلابية في الولايات المتحدة

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، الاثنين، إلغاء أكثر من ستة آلاف تأشيرة دراسية خلال العام الجاري، في خطوة عزتها إلى مخالفات قانونية وتجاوزات للإقامة، مع تأكيد أن بضع مئات من الحالات ارتبطت بادعاءات دعم الإرهاب، وقدّم مسؤولون شرحاً أولياً يفيد بأن نحو أربعة آلاف تأشيرة ألغيت بسبب مخالفات جنائية متنوعة، في حين استندت مئتان إلى ثلاثمئة حالة لمواد قانونية تتعلق بالإرهاب، من دون نشر قوائم بالأسماء أو الجماعات المعنية.

وأفادت وسائل إعلام أمريكية بارزة، نقلاً عن وزارة الخارجية، بأن هذه الأرقام تأتي ضمن حملة واسعة على التأشيرات والتحقق الموسع من خلفيات طالبيها، وتزامن ذلك مع تصريحات تؤكد صلاحية الوزارة في إلغاء التأشيرات لمن تعدهم منخرطين في أنشطة تمس المصلحة القومية أو السياسة الخارجية، وفجرت هذه المعطيات نقاشاً وطنياً ودولياً حول التناسب والشفافية والضمانات القانونية وفق "واشنطن بوست".

تداعيات إنسانية وتعليمية

لا تقف آثار إلغاء التأشيرات الطلابية عند حدود الإجراءات الإدارية، آلاف الطلبة يقفون فجأة أمام خسارة مقاعد دراسية مدفوعة الرسوم، أو انقطاع التأمين الصحي، أو فقدان السكن الجامعي والعمل الجزئي، الجامعات بدورها تواجه مخاطر أكاديمية ومالية؛ نظراً للمكانة المحورية للطلبة الدوليين في المختبرات والبرامج العليا والابتكار.

وتشير أحدث بيانات التعليم الدولي إلى أن عدد الطلبة الدوليين في الولايات المتحدة بلغ نحو 1.13 مليون في العام الأكاديمي 2023 2024، في حين تقدر نَفْسا أن مساهمتهم الاقتصادية قاربت 44 مليار دولار ودعمت أكثر من 378 ألف وظيفة، ما يجعل أي اضطراب واسع النطاق في منظومة التأشيرات ذا أثر مباشر في مدن جامعية واقتصادات محلية بأكملها.

تلت تلك الخطوة تحركات قانونية وسياسية، بينها دعاوى رفعتها جامعات ومذكرات قانونية تشكك في مشروعية بعض الإجراءات، خاصة عندما تمس طلبة دوليين داخل الولايات المتحدة يتمتعون بضمانات إجرائية، وتجادل المؤسسات الأكاديمية بأن قرارات إدارية جماعية قد تُصادر حقوقاً إجرائية أو تضر بمبدأ عدم المعاقبة الجماعية.

وتستحضر جامعات كبرى سياقاً سابقاً حين أُجبرت الحكومة عام 2020 على التراجع عن قرار طرد طلبة الدوام الافتراضي بعد طعن قضائي واسع قادته جامعات مرموقة، وهذه الخلفية تغذي حججاً بأن التغييرات المفاجئة في السياسات تمس الاستقرار الأكاديمي وتتطلب مراجعة قضائية دقيقة، حتى مع بقاء قرارات القنصليات خارج نطاق التقاضي في حالات كثيرة بموجب مبدأ عدم قابلية القرارات القنصلية للمراجعة. 

حرية التعبير في قلب العاصفة

استند منتقدون إلى أن جزءاً من الإلغاءات جاء في سياق احتجاجات جامعية واسعة على حرب غزة. منظمات حقوقية أمريكية ودولية رأت في الخطوة مؤشراً إلى استخدام قانون الهجرة لمعاقبة خطاب سياسي، وحذرت من أثر رادع على حرية التعبير في الحرم الجامعي، بما يمس الطلبة الأجانب على نحو خاص بسبب هشاشة وضعهم القانوني. 

وفي بيانات متلاحقة، شددت منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و"أمنستي" والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية على ضرورة أن تلتزم الجامعات والسلطات بمعايير حرية التعبير ومنع الاستخدام الغامض أو الفضفاض لمفاهيم الدعم أو التعاطف لتقييد الرأي، في حين نبّهت تقارير صحفية وتحليلات أكاديمية إلى اتساع الفجوة بين سياسات الأمن وحقوق التعبير.

وعلى مستوى المسؤولين، بررت الخارجية الأمريكية الإلغاءات بوجوب حماية الأمن القومي، مؤكدة أن القانون يتيح رفض أو إلغاء تأشيرة لمن يروّج أو يؤيد نشاطاً إرهابياً. وفي المقابل، حذرت منظمات أكاديمية وحقوقية، من بينها "ابن أمريكا" وجامعة هارفرد، من الوقف المؤقت لمقابلات التأشيرات وتوسيع مراجعة وسائل التواصل الاجتماعي، وعدت ذلك تهديداً لوضع الولايات المتحدة بصفتها وجهة رائدة للتبادل الفكري، وأثارت إجراءات استهدفت قدرة جامعة كبرى على استضافة طلبة دوليين موجة انتقادات وتحديات قضائية عاجلة بدعوى المساس بالأكاديمية وطلبتها الأجانب. 

قانون الهجرة بين النص والتطبيق

يرتكز الجدل القانوني على توازن دقيق، فالقانون الأمريكي يمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة في منح وإلغاء التأشيرات، كما تنص مواد الأهلية على منع من يشتبه بدعمهم لأنشطة إرهابية، لكن منظمات الدفاع عن الحقوق تنبّه إلى أن اتساع تعريفات الدعم قد يطول أنماط خطاب مشروعة في سياق أكاديمي.

كما يشير خبراء إلى أن مبدأ عدم قابلية القرارات القنصلية للمراجعة يضع قيوداً على التقاضي خارج الولايات المتحدة، في حين يتمتع الطلبة الموجودون داخلها بضمانات إجرائية تختلف بحسب الحالة، ما يفرض شفافية كبرى في الإفصاح عن الأسس والأدلة ومنح فترات تصحيح للوضع القانوني عند الإمكان. 

وتؤكد تقديرات حديثة أن أي هزة في تدفقات الطلبة الدوليين ستنعكس على قطاعات السكن والخدمات والأبحاث، مع خسائر محتملة في الوظائف المحلية والإنفاق الاستهلاكي.

وتشير بيانات اتحادات التعليم الدولي إلى أن الولايات الأكثر جذباً للطلبة مثل كاليفورنيا وتكساس وماساتشوستس هي الأكثر عرضة لتبعات مالية، فيما تحذر تقارير محلية من تضرر مدن جامعية صغيرة تعتمد بشكل كبير على الرسوم الدولية لتمويل البرامج المتخصصة والمختبرات، وهذه المؤشرات تجعل من ملف التأشيرات قضية اقتصادية محلية بقدر ما هو ملف هجرة وأمن. 

انقسام الرأي العام

مجالس ومنظمات تمثل الجاليات الطلابية الدولية، إلى جانب نقابات أعضاء هيئات التدريس، طالبت بمراجعة مستقلة وآليات تظلم سريعة، وإتاحة فترات انتقال أكاديمية للطلبة المتضررين، وتدعيم الإرشاد القانوني داخل الجامعات، كما دعت هيئات مهنية مثل اتحاد أساتذة الجامعات إلى صيانة حرية التعبير في الحرم والتمييز بين خطاب الكراهية والسجال السياسي المشروع، ورفض توظيف سياسات الهجرة لإخماد النقاش الأكاديمي.

وفي المقابل، يؤيد أنصار التشدد استمرار الفحص الدقيق للتأشيرات في حالات الاشتباه وفرض معايير سلوك داخل الحرم، مع تحميل الجامعات مسؤولية ضبط التجاوزات. 

لا تنفصل التطورات الراهنة عن مسار ممتد من سياسات الهجرة والتعليم الدولي. شهدت الأعوام الأخيرة موجات شد وجذب بين توسيع الاستقطاب العلمي وتشديد الفحص الأمني، مروراً بسحب أو تجميد تمويلات اتحادية لجامعات على خلفية مشاحنات سياسية وثقافية، وتحذر مؤسسات تعليمية وخبراء من أن تراكم الإشارات السلبية قد يدفع المواهب نحو وجهات تنافسية في أوروبا وكندا وأستراليا، وهو ما يترك أثراً طويل الأمد في الابتكار ومخرجات البحث التي طالما استفادت من تنوع القاعات الأمريكية. 

يوجد في الولايات المتحدة أكثر من مليون طالب دولي بحسب تقارير أبواب مفتوحة، وقد سجلت الأعداد تعافياً بعد جائحة كوفيد 19، وتسهم هذه الفئة في تمويل مختبرات وتخصصات عالية الكلفة عبر الرسوم غير المدعومة، وتغذي منظومة الابتكار عبر برامج التدريب العملي الاختياري.

وفي يوليو 2020، تراجعت الحكومة عن قرار يُخرج طلبة الدوام الافتراضي من الولايات المتحدة عقب طعن قضائي قادته جامعات بارزة، في واقعة اعتُبرت دليلاً على قابلية سياسات التأشيرات للمراجعة عندما تمس الاستقرار الأكاديمي، ولكن اليوم، تأتي موجة الإلغاءات في سياق استقطاب سياسي حاد وتنامي الاحتجاجات داخل الجامعات على خلفية حرب غزة، وما تبعها من اعتقالات واسعة خلال ربيع 2024. 

وبحسب "واشنطن بوست" تكشف أزمة إلغاء التأشيرات الدراسية عن توتر عميق بين سيادة الدولة في إدارة حدودها، والتزاماتها الحقوقية تجاه أشخاص يعيشون ويدرسون داخل أراضيها. الرسالة السياسية المتشددة قد تحقق مكاسب آنية في ملف الأمن والهجرة، لكنها تحمل كلفة إنسانية على طلبة فقدوا فجأة مسارات أكاديمية ومعيشية، وكلفة مؤسسية على جامعات تحاول البقاء باعتبارها بيئات مفتوحة للتفكير والبحث. وفي ظل أرقام اقتصادية تثبت الدور الحيوي للطلبة الدوليين، تبدو الحاجة ملحة إلى مقاربة أكثر شفافية وتدرجاً، تُفصل فيها الحالات الفردية بوضوح، وتُصان فيها حرية التعبير داخل الحرم ضمن حدود القانون. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية